جديد محاضرات مجلس الدولة
في إطار المحاضرات الدورية والتي تنظم من طرف مجلس الدولة تم يوم الأربعاء 07 جويلية 2021 تنظيم محاضرتين ، المحاضرة الأولى تحت عنوان "منازعات التحصيل و تمييزها عن منازعات الوعاء "و قد ألقيت من طرف مستشارة الدولة بالغرفة الثانية القسم الأول المتعلق بالمنازعات الجبائية و تم اختيار هذا الموضوع نظرا لكون الضريبة أحد الموارد الأساسية لميزانية الدولة و هي اقتطاع مالي تأخذه الدولة من الأفراد دون مقابل بهدف تحقيق المصلحة العامة و بالتالي كان لزاما على إدارة الضرائب تولي تنظيم العملية الجبائية بداية من تحديد الوعاء الضريبي و وصولا إلى التحصيل الضريبي و تم التعرض للموضوع بداية من مفهوم منازعات التحصيل الضريبي : أي مجموع العمليات و الإجراءات التي من خلالها يتم نقل الدين الضريبي من المكلف بالضريبة إلى الخزينة العامة للدولة وفق القواعد القانونية و الضريبية.
ثم في نقطة ثانية تم التطرق إلى إجراءات التحصيل الضريبي و التي تلجأ إليها الإدارة الضريبية وفق طريقتين الأولى بإتباع الطرق الودية و هو الأصل في دفع الضريبة و تكون عن طريق الدفع بالتقسيط شهريا أو ثلاثيا أو سداسيا و هذا ما يضمن للخزينة موارد مالية مستمرة على مدار السنة أما الطريقة الثانية للتحصيل هي التحصيل الجبري أو القسري الذي ينفذ على ذمة المكلف بالضريبة متى تبين عدم الدفع من طرف المكلف و ينفذ سند التحصيل من قبل المدير الولائي للضرائب و تعطي التأشيرة التنفيذية مباشرة على الكشوفات أو الجداول أو بيانات الحقوق وقت تسليمها لقابض الضرائب و يبلغ السند التنفيذي بواسطة أعوان الضرائب دون أجل و فورا و يمكن مباشرة الملاحقات الناشئة عن السند التنفيذي بعد 15 يوما من تبليغ السند في حالة عدم الدفع أو الاعتراض و تجري الملاحقات بناء على طلب من قابض الضرائب و لإدارة الضرائب حق الامتياز و الأفضلية على جميع الدائنين على أن تثبت المخالفات و متابعتها من طرف أعوان مؤهلين لتحرير المحاضر و تتمتع هذه المحاضر بالحجية أمام القضاء حتى يتم إثبات العكس و الطعن فيها بالتزوير.
كما يعتبر الحجز من أهمم إجراءات التنفيذ لتحصيل الضريبة و يجوز لقابض الضرائب أن يوجه تنبيها بالمصاريف إلى المكلف بالضريبة بمجرد توفر وجوب التحصيل و يمكن القيام بالحجز بعد يوم من تبليغ التنبيه.
ثم يقوم قابض الضرائب المكلف بالمتابعة ببيع المحل التجاري بعد حصوله على ترخيص من طرف الوالي و يجري البيع في أجل 10 أيام من إلصاق الإعلانات بسعي من القابض في مقر المجلس الشعبي البلدي الذي يوجد به المحل التجاري و في مقر المحكمة التي يوجد في إقليم اختصاصها مكتب القابض المكلف بالبيع كما يجوز لقابض الضرائب المكلف بالمتابعة أن يجري البيع بالتراضي بمبلغ يساوي مقدار الضريبة المفروضة.
ثم في نقطة ثالثة تم التطرق إلى طرق الاعتراض عن التحصيل الضريبي في إطار الطعن المسبق في منازعات التحصيل والذي يوجهه الطاعن لمدير الضرائب أو مدير كبريات المؤسسات حسب الحالة و طبقا للمادة 153 من قانون الإجراءات الجبائية و الذي يكون في شكل اعتراض على إجراء المتابعة بمنازعة قانونية كإجراء المتابعة شكلا و إما في شكل اعتراض على التحصيل الجبري دون المساس بالوعاء و حساب الضرائب و ألزم المشرع تدعيم الاعتراض بوسائل الإثبات طبقا للمادة المذكورة أعلاه و يكون الإثبات بكافة الوسائل و يلاحظ أن المنازعات الضريبة المتعلقة بالتحصيل قليلة ولا تفوق المنازعات المتعلقة بالوعاء و لهذا فإن المشرع أحاط التظلم في الوعاء بأهمية أكثر و ألزم المكلف بالضريبة باحترام المواعيد.
ثم في نقطة رابعة و أخيرة تم التطرق إلى الفرق بين منازعات التحصيل و منازعات الوعاء على أن الجهة مصدرة القرار المنازع فيه و هي قباضة الضرائب في التحصيل بينما في الوعاء فإن الجهة مصدرة القرار المنازع فيه هي مفتشية الضرائب أو فرقة التحقيق و أن المكلف بالضريبة ينازع إدارة الضرائب في الإجراءات المتبعة في تحصيل الضريبة بينما في الوعاء ينازع المكلف بالضريبة الجدول الفردي أو الجدول العام كما أن الطعن المسبق في منازعات التحصيل يكون في شكل اعتراض على إجراء المتابعة بمنازعة قانونية أو في شكل اعتراض على التحصيل الجبري كما تم ذكره من قبل ، بينما في منازعات التحصيل فإن المكلف بالضريبة ينازع الإدارة في الإجراءات المتبعة في تحصيل الضريبة في حالة المحل التجاري أو الغلق الإداري للمحل بدون إخطاره و أن النزاع الضريبي في الوعاء يدور أساسا حول الخطأ سواء في وعاء الضريبة أو في حسابها أو الاستفادة من حقوق أو امتيازات يقررها القانون الجبائي .
و قد تم تدعيم المحاضرة بقرارات مجلس الدولة في هذا المجال و التي تعكس توحيد وجهات النظر و الاجتهاد المستقر عليه في الغرفة كما تم فتح باب النقاش لتبادل وجهات النظر و شرح بعض النقاط التي تثيــر لبسا و معالجتها و إعطاء الحلول القانونية.
أما المحاضرة الثانية فكانت بعنوان " دعوى الإلغاء و مراقبة القاضي الإداري لمبدأ الملاءمة و المشروعية " من تقديم السيد ( ر. أ ) مستشار الدولة بالغرفة الثانية القسم الثاني
تعد دعوى الإلغاء من أهم الدعاوى الإدارية التي يلجأ إليها الشخص لفرض الرقابة على قرارات الإدارة غير المشروعة إلا أن فعالية هذه الآلية تبقى مرتبطة بكيفية ممارستها، الأمر الذي دفع بالمشرع الجزائري لمراجعتها في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية 08/09، وذلك بإعادة النظر في شروط إجراءاتها،الأحكام القضائية الصادرة عنها خاصة ما تعلق منها بتمثيل الهيئات الإدارية، إلزامية التمثيل بمحامي...، و بالنسبة للمشرع الجزائري وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن لتبنيه نظام الازدواجية القضائية أصدر قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الذي أعاد من خلاله تنظيم كل المنازعات الإدارية بما فيها دعوى الإلغاء، والسؤال الذي يطرح نفسه ومحل نقاش في موضوع الحال يكمن في : إلى أي مدى جدد المشرع في ضمانات رقابة القرارات الإدارية من خلال دعوى الإلغاء؟
وقد تم تناول الموضوع من خلال التطرق إلى ماهية دعوى الإلغاء، شروطها، والقيود الواردة عليها.
المبحث الأول: ماهية دعوى الإلغاء
المطلب الأول: مفهوم دعوى الإلغاء
أولاً: تعريفها
رغم أهميتها إلا أن المشرع الجزائري لم يضع لها تعريفاً تاركاً المجال للاجتهاد القضائي والفقه، ولقد تعددت التعاريف لها نذكر أهمها تعريف الأستاذ الفقيه الدكتور " سليمان محمد الطماوي " والتي عرفها بكونها " الدعوى التي يرفعها أحد الأفراد إلى القضاء الإداري يطالب فيها بإعدام القرار الإداري المخالف للقانون "، وتشترك تعريفات دعوى الإلغاء في كونها:
- دعوى قضائية،
- ترفع أمام القضاء المختص ( القضاء الإداري)،
- الهدف منها: إلغاء القرار الإداري المشوب بعيب في أحد أركانه،
- سلطة القاضي تكمن في الإلغاء دون إمكانية الاستبدال.
ثانيا :الأساس القانوني:
أ- في الدستور:
تجد هذه الدعوى أساسها في المواد:
- المادة 168 قبل التعديل الدستوري الأخير،
- المواد 158، 161، 166 بعد التعديل الدستوري.
ب- في التشريع :
- المادة 274 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية القديم.
- المادة 09 من القانون العضوي 01/98.
- المادتان 801، 901 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية 09/08.
ثالثا: شروط دعوى الإلغاء
تتعدد شروط دعوى الإلغاء فمنها ما تعلق بالقرار الإداري محل الطعن و أخرى متعلقة بأطراف الدعوى.
- الشروط المتعلقة بالقرار الإداري محل الطعن:
1 - القرار الإداري محل الطعن: الذي يعد عملاً قانونياً يصدر بإرادة أحد السلطات الإدارية ويحدث آثار قانونية بمركز قانوني ما (إنشاء، تعديل ... وضع قانوني قائم).
و قد استقر القضاء الإداري في الجزائر على غرار مجلس الدولة الفرنسي استبعاد النظر في الطعون بالإلغاء الموجهة ضد بعض القرارات تجسيد لمبدأ الفصل بين السلطات، و من بينها:
- قرارات أعمال السيادة :(يغلب عليها وصف العمل الحكومي ) ومنها قرار المحكمة العليا الصادر في 1984/01/07.
- قرارات المجلس الدستوري:ومن بين القرارات الصادرة فيها قرار مجلس الدولة بتاريخ 2001/11/12.
و قد يجد رفض الإدارة لتسليم القرار المطعون فيه في ذلك إمكانية بسط رقابة القضاء عليه و في هذا الصدد تم تنظيم هذه المسألة في نص المادة 01/819 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
2-شرط الميعاد:
وتناولته المادتان:829، 830 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ولهدف توحيد ميعاد رفع الدعوى (الإلغاء) خلافا للقانون القديم هو عدم تفويت الفرصة أمام المتقاضين اللجوء إلى القضاء الإداري للدفاع عن حقوقهم واحتراماً لمبدأ المشروعية.
وتحسب المواعيد كاملة عملاً بالمادة 405 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ب -الشروط المتعلقة بأطراف الدعوى:
وتتعلق بالشروط العامة التي يجب توافرها في أطراف الدعوى (الصفة، المصلحة، الإذن متى تطلبه القانون).
المطلب الثاني: توزيع الاختصاص في دعاوى الإلغاء.
تولى المشرع الجزائري تحديد معيار الاختصاص، والذي يحدد عن طريق القضاء وليس التشريع.
أولا: المعيار العضوي في اختصاص القضاء الإداري:
والذي يستند على وجود شخص من أشخاص القانون العام طرفاً في النزاع، وهو ما نص عليه المشرع الجزائري في أحكام:
- المادة 07 من القانون القديم (قانون الإجراءات المدنية)
- المواد: 800، 801، 901 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية
و عليه يستخلص أن دعوى الإلغاء أو قضاء الإلغاء هو قضاء عيني أو موضوعي يوجه ضد القرار الإداري نفسه الذي صدر مشوبا بعيب عدم المشروعية و هو في هذه الحالة عكس قضاء التعويض الذي يهدف إلى دفع الاعتداء عن حق شخصي.
ثانيا: توزيع الاختصاص بين مجلس الدولة والمحاكم الإدارية:
وتم التطرق فيه إلى:
- نطاق اختصاص مجلس الدولة:
المواد: 901-902-903 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
المادة 09 من القانون العضوي 01/98.
ب- نطاق اختصاص المحاكم الإدارية:
تستمد المحاكم الإدارية وجودها لاسيما في المادة 152 من الدستور،و تم تنظيمها بموجب القانون 02/98، و تنظيم اختصاصها النوعي بموجب أحكام المادة 01 منه و كذا المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
المبحث الثاني: مجال و حدود الرقابة القضائية على القرار الإداري أو دعوى الإلغاء .
يرى بعض الفقهاء أن دور القاضي الإداري في هاته المنازعة ينحصر فقط في قبول الدعوى أو رفضها دون التدخل في عمل الإدارة حتى لا يمس مبدأ الفصل بين السلطات، لاعتبار هذا الحق الموضوعي يتعلق بفحص المشروعية كونه يهدف إلى حماية مبدأ المشروعية (حق كاشف) وليسمن الحقوق المنشئة و هو ما جاء في قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 1933/01/27.
وعليه إذا كانت القاعدة هي عدم الحلول محل الإدارة أو توجيه أوامر لها فإن هذه القاعدة لا تؤخذ على الإطلاق، فامتناع الإدارة عن الاستجابة للحكم و كذا القانون يتطلب من القاضي عدم الوقوف متفرجاً بل يتدخل لإعادة التوازن و إجبار الإدارة على الانصياع.
ومن هنا لم يعد هناك جدل، بمعنى أن الإدارة حينما تباشر سلطتها فإنه يجب عليها أن تلتزمبحدودالنظام القانوني المقدر في الدولة.
و لكن كيف يتم إجبار الإدارة على ضرورة الالتزام أثناء مباشرتها للسلطة التقديرية في حدود النظام القانوني المقرر لها؟
إن القضاء الإداري أقر بعض الاستثناءات عن طريق بعض الاجتهادات في مجال مراقبة الملاءمة تتمثل في:
- رقابة الخطأ البين في التقدير:
وهو من أوجه الطعن الجديدة من أجل تجاوز السلطة، و أصبح يمثل نظرية قانونية، و يعرف بأنه "الخطأ الجسيم الذي يرتكبه مصدر القرار الإداري في تقدير الوقائع التي تبرر القرار الصادر".
إن عملية إثبات الخطأ الظاهر في التقدير في غاية الصعوبة تتطلب ثقافة علمية متخصصة في القضاء الإداري.
- مجالات الخطأ البين في التقدير: أول ما ظهر كان في الوظيف العمومي (قرار مجلس الدولة 1998/07/27).
- 2- سلطة القاضي الإداري في توجيه أوامر للإدارة في حالة التعدي،الاستيلاء، الغلق:
منح المشرع الجزائري الاختصاص للنظر في تلك الانتهاكات لقاضي الأمور المستعجلة متأثرا بالمشرع الفرنسي والمصري (المادة 921 من ق،إ،م، إ)
المادة 921 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص على " في حالة الاستعجال القصوى يجوز لقاضي الاستعجال أن يأمر بكل التدابير الضرورية الأخرى.........
وفي حالة التعدي أو الاستيلاء أو الغلق الإداري يمكن أيضا لقاضي الاستعجال أن يأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه".
3/ رقابة الموازنة بين التكاليف والمزايا:
و من الأمثلة قرار م/د الفرنسي الصادر بتاريخ : 1971/05/28 في قضية Ville Nouvelle Est التي تتلخص في "أن مشروعاً هاما يستهدف إنجاز منطقة جامعية، و مدينة جديدة تطلب نزع ملكية العديد من الخواص، وكان الكثير من هاته الملكيات قد تم تشييد منازل حديثة عليها، وللحكم على مشروعية القرار الصادر بنزع الملكية للمنفعة العامة، طبق م/د الفرنسي هذه النظرية الجديدة "أنه لا يمكن اعتبار عملية محققة للنفع العام المبرر لنزع الملكية، إلا إذا كانت الأضرار التي ستلحق بالأملاك الخاصة من جرائها، وتكلفتها ومضارها الاجتماعية المحتملة لا تفوق بشكل كبير المزايا التي يمكن أن تنجم عنها"،
و هنا يطرح سؤال: هل خرج القضاء الإداري عن القاعدة السابقة الذي كان دوره يقتصر فيها فقط على التأكد من وجود أو عدم وجود مصلحة عامة أو لا ؟